إباحية يحيى السماوي الشعرية ذروة القداسة

   قبيل دخوله لاستلام جائزة جبران العالمية، أهداني الشاعر العراقي يحيى السماوي ديوانه الأخير "أنقذتِني مني"،  دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع 2014 ، ورغم تعجبي من عنوانه، رحت أتصفحه، لأعرف لماذا اختاره، وكنت كمن يمشي على رمال متحركة، كلما قرأت كلما غرقت أكثر فأكثر في بحوره الشعرية، وصوره الخلابة.
   من القصيدة الأولى، يعلن السماوي غرامه الاباحي، الذي استنجد من أجله بآيات وقصص دينية مستقاة من الكتب الإسلامية والمسيحية واليهودية، ليثبت أن اباحيته الشعرية ذروة القداسة، وها أنا أبدأ رحلتي معه:
خلعتْ فستانها الوردَ..
فأعشى نورُ نهديها
مرايا مقلي
صرخت بي: "هَيْتَ لكْ"
فاخلع قميصاً
انك الآن بخدري
فالتحفني إن تكن بردانَ..
مصّ التوتَ لو تعطشُ
واطحنْ سنبلي.
   في هذا المقطع نراه يستعين بقوله تعالى في سورة يوسف: "وغلّقت الأبواب وقالت هيتَ لك".
   وفي مقطع آخر من القصيدة نراه يستعين بعصاة موسى ليشق البحر، لا ليخلص شعبه، كما فعل موسى، بل لتظهر حوريته الحبيبة، ويعطينا هذه الصورة الرائعة:
ما أذكره أن حريقاً بارد النيران
شقّ البحر
صار الموج عشباً
طلعت من بينه حورية
تلبس فستاناً من الورد
عليها هالة ضوئية..
أو ربّما شبّه لي.
   وهنا أيضاً يستعين بقوله تعالى في سورة آل عمران: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم".
   ورغم تلك الاستعانات الدينية المتكررة، نراه يعلن فجوره الايماني، لا بل كفره المطلق، من أجل مضاجعة الحبيبة:
ناسكاً بتّ..
عفيف الإثم..
لكن
فاجرُ الايمان!
فالحوريّة المعصومة اللذات "لاتي"
وسريري "هبلي".
   ولكي يثبت أنه "الكل"، رغم انتسابه لطائفة معينة" نراه يستعير من الانجيل معجزة السيد المسيح، حين سار على الماء، مرتين ص 23 و56، علّه يتمكن من جمع قطبين معاً، الجنوب والشمال:
ليس لي معجزة المشي على الأمواج
كي أجمع ما بين جنوب وشمالْ!
   لا بل أراد أن يعقد قران الصبح والليل من أجل أن تمطر "شمسه" لذتها في حضن "هلال":
ليس ما ينبىء عن أن جنوني
سوف يفضي بي الى
عقد قرانِ الصبح والليل
فنغفو في سرير العشق شمساً
تمطر اللذة في حضن هلالْ!
   أعرفتم الآن كيف يتلاعب "السماوي" بمفرداته الأدبية، دون خوف من رقيب، فيحوّل الشمس حبيبة، ليصبح هو الهلال، أما اللذة فلسوف تجدونها في كل قصائد الكتاب. خذوا هذه مثلا:
قديسةَ الشفتين جفّ دمي
لو مسّدت شفتايَ غيرهما!
   كيف لا وهو شاعر عاشق، ويجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره:
ما دمتِ في قلبي
فسوف يجوز لي
ما لا يجوزُ.
   فالحب عند "السماوي" محللٌ من فوق، وما حلل من فوق لن يعرف الحرام:
شاخ الزمان
ولم نزل طفلين لهوهما حلالٌ
ليس يقربه الحرام.
   وفي رسالة مدروسة وجهها للارهاب الكافر، الذي يذبح ويحرق ويشنق ويعدم الابرياء باسم الله، طالبه فيها بطريقة شعرية رائعة بالابتعاد عن الاجرام والتمسك بالحب، كما يتمسّك هو تماماً:
فخّخت بالقبلات ثغري..
وارتديت حزام شوقي..
يا التي
أضحت لبستاني الربيعَ السومريّ
وجدولَهْ
وصنعتُ من عطشي لمائك
قنبله!
   أرايتم ما أجمل حزامه الناسف، وما أروع قنبلته. فالشعر يجمّل القبائح، مهما كانت مخيفة. وصدقوني أن ارهاباً كهذا سينزل صاحبه:
في جنّة أنهارها القبلاتُ
والحورُ الملائك أنتِ
والغلمان أزهار السفرجل
والخزام!
   فالقداسة عند "السماوي" لا تتم بدون حب، ويرفض أن تكون أمنا حواء قد ارتكبت معصية حين أطعمت أبانا آدم "تفاحتها"، وكلكم تعلمون ماذا تعني "التفاحة":
اشك ان اكون قديساً
اذا لم ارتكب
معصية اقتطاف تفاحة فردوسك
وارتشاف خمر تين بستانك والزيتون
...
أشكّ أن أفهم ـ لولا خبز تنورك ـ معنى
سورة "الماعون".
   فحبيته ليست كباقي النساء، انها مؤمنة، فريدة عصرها، أول امرأة بالتارخ، إنها مؤذّنة.. إنها بلاده. أجل انها العراق.
الحب سيماء القلوبِ
المؤمنةْ
يا اول امرأة بتاريخ المآذن والقباب
مؤذنةْ
   يحيى السماوي في ديوانه " أنقذتني مني" عرف كيف يسخّر تعاليمه الدينية كلها من أجل الحب، وكأنه يريد أن يقول: بدون الحب، لن ينتهي تشرّدي، ولن أعانق العراق.
**